قلعة نيحا هي إحدى أبرز المعالم التاريخية والأثرية في لبنان، تقع هذه القلعة الشامخة فوق جبل، تطل على البحر الأبيض المتوسط، وتمتد جذورها إلى آلاف السنين من التاريخ الحافل بالأحداث المهمة. على مدار قرون عديدة، كانت قلعة نيحا شاهداً على مسار تاريخ لبنان، وارتبطت بأسماء بارزة مثل الأمير قرقماز وفخر الدين الثاني الذين استخدموها كقاعدة لهم في أوقات الأزمات. إذ إن دراسة هذه القلعة الأثرية تُلقي الضوء على جوانب مهمة من الماضي اللبناني. لذا، تابعوا معنا في هذا المقال من تورزم تريك لنقدم لكم تفاصيل شاملة حول هذه القلعة الشامخة.
موقع قلعة نيحا: معلم أثري في قلب الجبال اللبنانية
تعتبر قلعة نيحا جوهرة التراث الثقافي اللبناني وأحد أبرز المعالم البارزة ضمن محمية أرز الشوف الطبيعية. حيث تتربّع هذه القلعة الأثرية في أعالي بلدة نيحا الشوفية، على ارتفاع يتجاوز 1200 متر فوق مستوى سطح البحر. حيث تربض هذه القلعة الأثرية على قمة شاهقة، تطل على مرج بسري أو ما يُعرف بـ “مرج العواميد”، حيث يتدفق نهر الأولي من نبع الباروك في طريقه إلى البحر عبر منطقة الشوف.
تبعد قلعة نيحا 33 كيلومتر عن العاصمة بيروت، ونظراً لموقعها البعيد والوصول الصعب إليها حتى للمشاة، قامت إدارة المحمية بتوفير دعامات خشبية للزوار لتسهيل الوصول إلى هذا الموقع التاريخي المميز.
وصف تفصيلي لقلعة نيحا: رمز التاريخ اللبناني
تتميز قلعة نيحا ببناء معماري فريد، حيث تم نحتها داخل هيكل كهفي يتجاوز عمقه المائة متر. داخل هذا الهيكل الصخري، تم إنشاء مجموعة من الغرف المتنوعة، والتي كانت تُستخدم لإيواء الجنود وتخزين المؤن، وقد تم إمداد القلعة بالمياه عبر نظام متطور لتجميع مياه الأمطار، إلى جانب شبكة أنابيب لجلب المياه العذبة من نبع عين الحلقوم. كما تحتوي القلعة على مجموعة كبيرة من الصوامع المخصصة لتخزين المؤن.
من الناحية الدفاعية، كانت القلعة محصنة بشكل جيد، محاطة بجدار يتخلله العديد من الفتحات لأغراض الرماية والمراقبة، بالإضافة إلى ذلك، هناك بقايا لعدد من المساكن المحيطة بالقلعة، والتي كانت مبنية باستخدام عوارض خشبية مرتكزة على الصخر، الجرف الصخري المحيط. هذا التصميم المعقد والمتطور لقلعة نيحا يعكس مهارة المعماريين والمهندسين القدماء في هذه المنطقة الجبلية.
أبرز معالم قلعة نيحا: جمال التاريخ والطبيعة
إن ما يزيد من جمالية وأهمية قرية نيحا هو التراث الأثري المتنوع والمتميز الذي يزخر به هذا المكان. بين جسور قديمة وعيون مائية ومطاحن أثرية، تنتشر في أرجاء نيحا آثار وشواهد عريقة تشهد على تاريخها الحافل. ومن أبرز هذه المعالم الأثرية في نيحا، وجود أربعة جسور قديمة للغاية، يرجع بعضها إلى فترة حكم الأمير فخر الدين وما قبلها، هذه الجسور تشمل جسر التحتاني، والجسر الفوقاني، وجسر النبع، وجسر الوادي.
إلى جانب ذلك، تتميز نيحا بوجود العديد من المطاحن التقليدية التي تعمل بقوة المياه، والتي لا تزال قائمة حتى اليوم، بالإضافة إلى معاصر الزيتون التي ماتزال تعمل كما كان الحال منذ القدم. وتشكل عين نيحا المائية المصدر الرئيسي للري والإمداد المائي لسكان المنطقة، حيث تتدفق مياهها بوفرة طوال العام، مما يغني نيحا عن الحاجة إلى أي مصادر مائية أخرى.
لا ينفصل الحديث عن التراث الأثري في بلدة نيحا عن الإشارة إلى العيون التراثية المتميزة التي تزخر بها هذه المنطقة، إلى جانب الآثار المعمارية والمنشآت التاريخية، تتميز نيحا بوجود مجموعة من العيون المائية الأصيلة والتي تُعد جزءاً لا يتجزأ من هذا الموروث الثقافي والطبيعي. من بين أبرز هذه العيون التراثية، نذكر:
- عين القاطعة.
- عين باطون.
- عين الحلقوم.
- عين مار جريس – والتي تُعرف بخصائصها العلاجية والشفائية.
تاريخ قلعة نيحا: قصة حصن قديم بين الحضارات
بناءً على المصادر التاريخية، لقد شهدت هذه القلعة العديد من الأحداث العسكرية والتاريخية المهمة، فموقعها الاستراتيجي المتميز جعلها هدفاً للغزاة، الذين استخدموها كحصن دفاعي رئيسي.
في البداية، كانت القلعة في ملكية شيخ درزي يُدعى ضحاك بن جندل التميمي، ومع مرور الوقت تعرضت للعديد من الاحتلالات والسيطرة المتبادلة. فاحتلها الصليبيون الذين أطلقوا عليها اسم “تيرون”، قبل أن تقع تحت سيطرة صلاح الدين الأيوبي. كما احتلها أيضاً الفرنجة، ثم والي صيدا سعد الدين بن نزار شهاب الدين بن بحتر التتري، الذي قام بتدميرها وإحراقها. وفي عهد المماليك، استولى عليها السلطان بيبرس وأمر بترميمها وتحصينها.
وفي عام 1585، لجأ الأمير قرقماز والد الأمير فخر الدين الثاني، إلى قلعة نيحا بعد أن طارده العثمانيون بسبب اتهامه بالسطو على خزينة الدولة، وظل هناك حتى انتقل إلى مغارة جزين، حيث توفي. بعد ذلك، في عام 1633، اتخذ الأمير فخر الدين الثاني الكبير من القلعة ملجأً له ولأسرته وأقربائه، بعد أن هُزم أمام العثمانيين في عهد أحمد باشا كجك.
وعندما اكتشف الكجك مكان لجوء الأمير، حاصره لفترة طويلة ولكنه لم يستسلم. لذلك، قام الكجك بتلويث المياه الجوفية الجارية إلى القلعة من نبع الحلقوم بدماء البهائم. وأضطر فخر الدين إلى مغادرة القلعة، ليلجأ إلى مغارة جزين حيث ألقي القبض عليه.
الأنشطة السياحية في قلعة نيحا: استكشاف الماضي
- جولات إرشادية لاستكشاف تاريخ القلعة ومعالمها البارزة.
- مشاهدة العروض التثقيفية التي تسلط الضوء على أهمية القلعة التاريخية.
- تجربة الأنشطة التفاعلية التي تحاكي الحياة في العصور القديمة.
- الاستمتاع بالإطلالات البانورامية على المناطق المحيطة من أعلى القلعة.
- التقاط الصور التذكارية في مواقع مميزة داخل القلعة.
- حضور الفعاليات الثقافية والفنية التي تُقام في ساحات القلعة.
- شراء الهدايا التذكارية من المتاجر الصغيرة المتوفرة في الموقع.
- الاستمتاع بالوجبات الخفيفة والمشروبات في المقاهي القريبة من القلعة.
ختاماً، إن شهرة قلعة نيحا وقصص المآثر التي حوتها تستحق الحفاظ عليها كإرث ثقافي وتاريخي، فهي تُجسد صمود الشعب اللبناني في وجه التحديات والمحن عبر التاريخ. واليوم، لا تزال القلعة شاهداً على مراحل مهمة من تاريخ لبنان، وتشكل إحدى أبرز معالمها السياحية والأثرية.
المصادر